يحمل "اتفاق غزة" تأثيرات إيجابية من خلال وقف الحرب الوحشية والمجاعة التي استمرت عامين، لكن مجلة "فورين بوليسي" الأميركية اعتبرت أنه لا يمكنها مشاركة الرئيس الأميركي دونالد ترمب بالتفاؤل بأن وقف إطلاق النار سيساهم في تحول أوسع في الشرق الأوسط، لأن الاتفاق قد يفشل على الأرض، وهو ما يشكل إنذاراً كما جرى مع الاجتياح الأميركي للعراق.
وذكرت المجلة الأميركية في تقرير لها تحت عنوان "كيف يخيم فشل الولايات المتحدة في العراق على خطة ترمب حول غزة"،، أن هناك بالفعل توافق دولي جديد لإنهاء حرب غزة، لكنه يفتقر إلى خريطة طريق واقعية للتقدم الفعلي، وقد لا ينجو من الاحتكاك بالواقع على الأرض في غزة.
وأشار إلى أن الاتفاق يحدد مساراً للمضي قدماً من شأنه في حال تحقق أن يشهد عودة الحياة الطبيعية إلى غزة، وإعادة بناء بنيتها التحتية واقتصادها، وتوطيد نظام سياسي ما بعد حماس، مع إهمال فكرة أوهام قيام فنادق ترمب على "ريفيرا غزة".
إلا أن التقرير لفت إلى أن الأوضاع الإنسانية في غزة المدمرة بالكامل، لا تزال كارثية، فيما وضع رئيس الوزراء الإسرائيلي بنيامين نتنياهو قيوداً على تسليم المساعدات قبل أن تبدأ بالتدفق، في حين أظهرت حماس اهتماماً محدوداً بنزع السلاح.
وأوضح أن الاتفاق نفسه غامض بشكل ينذر بالخطر، ويعتمد في نقاط رئيسية على فرضيات بطولية حول مجموعة واسعة من اللاعبين الإقليميين في حين ليس هناك قرارات من مجلس الأمن الدولي أو التزامات صارمة من أطراف فاعلة خارجية.
وتابع التقرير أن ذلك "لا يعني أن عودة الحرب الشاملة محتملة على المدى القصير"، مضيفاً أن "هناك فرصة ضئيلة للغاية أن يتقدم وقف إطلاق النار إلى المرحلة الثانية بنزع سلاح حماس وإنشاء سلطة حاكمة، ناهيك عن التطلعات طويلة المدى للمرحلة الثالثة".
واعتبر التقرير أن "السؤال الحاسم اليوم ليس ما إذا كان سيتم تنفيذ الاتفاق بالكامل، وإنما كيف ستبدو المنطقة عندما لا يتحقق ذلك، حيث ستكون المنطقة متأثرة بديناميكيات إقليمية أوسع".
لكن التقرير نبّه إلى احتمال تبدد الآمال في غزة أو حدوث تحول إسرائيلي نحو ضم الضفة الغربية، وهو ما قد يمزق النظام الإقليمي العربي الإسرائيلي الجديد بقيادة الولايات المتحدة الذي يأمل ترمب في بنائه.
وبعدما ذكر التقرير بأنه تم تهجير سكان غزة بالكامل تقريباً وتعرضوا للصدمة، وقتل ما لا يقل عن 67 ألف فلسطيني، وأنه قد يكون هناك عدد أكبر بكثير من القتلى المدفونين تحت الأنقاض.
لفت إلى أن الحرب دمرت تقريباً البنية التحتية في أكثر البيئات الحضرية اكتظاظاً على الأرض، مضيفاً أن الخطة تستدعي تدفقاً هائلاً للمساعدات الإنسانية لتخفيف الصعوبات الأكثر إلحاحاً، لكنها مع ذلك قد لا تكون كافية.
وأشار التقرير إلى أن إسرائيل أبقت على حصار غزة نحو عقدين من الزمن، وخلال العامين الماضيين، عمدت إلى عرقلة تسليم المساعدات الإنسانية حتى عندما كانت توافق على القيام بذلك تحت الضغط الأميركي والدولي.
وذكّر التقرير بما أسماه "المشهد الكئيب" لبناء أميركا الرصيف العائم، الذي أقيم من أجل تجنب الحاجة إلى مرور المساعدات عبر نقاط التفتيش الإسرائيلية، إلا أنه انهار بسرعة، ما يُعد رمزاً لفشل الرئيس الأميركي السابق جو بايدن في إدارة الأزمة.
وتابع التقرير أنه حتى لو دخلت المساعدات الإنسانية إلى غزة، فإنه قد لا تكون سوى بمثابة حل مؤقت، حيث إن التقديرات تشير إلى أن غزة تحتاج إلى أكثر من 50 مليار دولار من المساعدات التنموية لإعادة بناء الأساسيات التي دمرتها إسرائيل بشكل ممنهج.
لكن التقرير قال إنه حتى لو جرت عمليات إعادة إعمار، فإنها لن تنجح طالما أن إسرائيل تبقي على حصارها وتمنع فتح الموانئ والمطار للسماح بحركة الناس والسلع.
واعتبر التقرير أن التحدي الآخر يتمثل في أن تصميم إسرائيل على تدمير حماس وحرمانها من أي دور في غزة ما بعد الحرب، سيساهم في تعقيد الأوضاع.
وبحسب التقرير فإن إسرائيل قد ترفض تشكيل شرطة فلسطينية أسوة بما تفعله في الضفة الغربية، كما أنه ليس من الواضح ما هي القوة التي ستنفذ نزع سلاح حماس أو تحل محلها في توفير النظام.
كما من الصعب - وفقاً للتقرير - مشاهدة أي قوة حفظ سلام دولية أو عربية تكون فعالة من دون تعاون فعلي من حماس، مشككاً بفكرة قبول إسرائيل بالاعتماد على مثل هذه القوات لتحقيق مطالبها الأمنية.
ومضى إلى أن المسألة لا تقتصر على التاريخ القاتم للاتفاقيات الإسرائيلية الفلسطينية السابقة والذي يخيم على وقف إطلاق النار الحالي، موضحاً ان الافتراضات غير الواقعية والادعاءات المبالغ فيها تشبه بشكل ينذر بالخطر، وإخفاقات الدخول الأميركي للعراق.
وبيّن، حيث إن غياب الأمن والنظام سيجعل من الصعب توطيد أي نوع من الحوكمة الفعالة أو بناء الشرعية لنظام جديد، تماماً مثلما جرى في بغداد قبل عقدين من الزمن.
وتابع التقرير أن الإفراط العدواني في جهود نزع سلاح حماس سيحمل نتائج عكسية، إلا أن إبقاء الحركة مسيطرة فعلياً، سيجعل أي إدارة حكم جديدة تحت رحمتها.
وأضاف أنه قد يتم تنصيب الوصاية المطروحة في خطة ترمب، إلا أنها على غرار الإداريين الأوائل "البائسين" للعراق، لن تتمكن فعلياً من ممارسة السيطرة، ولن تتمتع بأي شرعية بين الفلسطينيين الذين يتطلعون إلى قيام دولتهم الخاصة بدلاً من الانتداب الدولي.
ورجح التقرير أن تشهد غزة أيضاً تحولها إلى ساحة لعنف متواصل وبتوتيرة محدودة، وكارثة اقتصادية وحوكمة فاشلة وتمرد متصاعد، بدلاً من المدينة العالمية الحديثة واللامعة الجديدة الموعودة.
وقالت "فورين بوليسي" إن الآمال في إمكانية التغلب على هذه العراقيل الواضحة ترتكز بدرجة كبيرة على عزيمة ترمب واستثماره الشخصي، إلا أن هذا ليس أمراً مسلماً به.
وأوضحت، حيث أن إدارة ترمب ليس لديها تقريباً أي إمكانية لمراقبة أو الإشراف على أو تنفيذ العمليات الصعبة المقبلة، خصوصاً مع إغلاق الوكالة الأميركية للتنمية الدولية، والخبرة الضئيلة للمسؤولين في التعامل مع القضايا الشائكة.
وبالإضافة إلى ذلك، لفت التقرير إلى محدودية الضوابط الداخلية على قرارات ترمب، ما قد يعني أنه من السهولة تخيل تحول مفاجئ وسريع من جانب الولايات المتحدة بالعودة إلى دعم حرب إسرائيلية متجددة.
وأشار إلى أن إسرائيل تأمل بنهاية عزلتها الدولية والتخفيف من حدة الاشمئزاز الواسع ضدها بسبب تدميرها لغزة، إلا أن آمالها هذه تتطلب التعايش السلمي الحقيقي مع الفلسطينيين.