تعيش محافظة كركوك حالة خاصة جداً من حيث تنوعها السكاني، ما جعلها محط لفت أنظار وصراعات سياسية، خاصة وأن المحافظة عاشت بصراع طويل بين حكومتي المركز وإقليم كوردستان، لما تمثله من مكان جغرافي مهم، ومحطة استقطاب للعديد من طوائف وألوان الشعب العراقي، وكذلك أيضاً لما تحمله من ثروات طبيعية بينها النفط.
ووصل هذا الصراع ليتدخل في تعداد المحافظة السكاني، لما يمثله من ثقل يكشف من خلاله نسب أبناء المحافظة من كل دين وعرق، وازدادت الدعوات لتأجيل تعداد المحافظة، لكن وزارة التخطيط العراقية، أعلنت اليوم الاثنين، عن مضيّها في إجراء التعداد السكاني في عموم المحافظات العراقية ومنها محافظة كركوك مستغربة دعوات بعض الأطراف في تأجيل تعداد المحافظة، فيما بينت أن العراق يشهد زيادة مطردة في عدد سكانه، بنسبة تفوق المليون نسمة سنوياً.
كركوك ضمن التعداد
وقال المتحدث باسم الوزارة عبد الزهرة الهنداوي في تصريح إن "وزارة التخطيط ماضية في عملية إجراء التعداد السكاني لعموم المحافظات العراقية ومنها كركوك وان عملية التعداد قطعت أشواطاً مهمة في عموم المحافظات، مع تحقيق نسب انجاز متقدمة في عمليات الترقيم والحصر التي انطلقت في جميع المحافظات في الاول من ايلول الجاري، مبيناً أن "التعداد السكاني يهدف لرسم خريطة متكاملة لعموم المحافظات، وعمل وزارة التخطيط لا علاقة له بالجوانب السياسية بل نسعى للوقوف على عدة نقاط اقتصادية مهمة تمس العراقيين في مجالات الصحة والتعليم والسكن والخدمات".
وأضاف بالقول أن "التعداد يوفر معلومات عن المحافظات واحتياجاتها من مختلف الخدمات ويسهم في تحقيق عدالة توزيع الثروات، وفقا للحجم الحقيقية لسكان كل محافظة"، لافتا إلى أن "إجراء التعداد هدفه تنموي واقتصادي ولا علاقة له بأي جوانب سياسية".
مؤكدا، أن "التعداد السكاني سيشمل كل العراق ومنها محافظات اقليم كوردستان وكركوك وسوف يعطينا مؤشرات عن الفجوات التنموية في كل المناطق وسوف يستفاد منها الكورد والعرب والتركمان وكافة القوميات، إذن التعداد عملية اقتصادية تنموية ولا علاقة لها بالسياسة أو ما يدور حولها".
مليون نسمة سنوياً
وكشف الهنداوي أن "العراق يشهد زيادة مطردة في عدد سكانه، بنسبة تفوق المليون نسمة سنوياً، بمعدل يصل إلى أكثر من 2 بالمئة، حيث وصل سكان العراق في نهاية العام الماضي إلى أكثر من 43 مليون نسمة، مع توقعات بارتفاع العدد إلى 44 مليون نسمة حتى نهاية العام الجاري".
في حين طالب مسؤول الفرع الثالث للحزب الديمقراطي الكوردستاني في كركوك، محمد كمال، اليوم الاثنين، بتأجيل إجراء التعداد السكاني في المحافظة لحين تطبيق المادة 140 من الدستور العراقي.
وقال كمال في مؤتمر صحفي حضرته إن "الاستعدادات لإجراء التعداد السكاني ضرورية ولكن الوضع في كركوك مختلف والمحافظة غير مهيئة لإجرائه، فهناك نازحون من أهالي كركوك في مدن إقليم كوردستان، كما أنه في العام 1988 قام النظام البعثي بهدم 4500 قرية كوردية وترحيل ساكنيها إلى محافظات إقليم كوردستان".
المادة 140
وأكد أن "توقيت التعداد غير مناسب ويجب تطبيق المادة 140 من الدستور ومن ثم إجراء الإحصاء السكاني في عموم العراق".
وطالب كمال بـ"بتأجيل التعداد في كركوك وكما نطالب أهالي كركوك بالعودة إلى المحافظة وخاصة من ساكني محافظات إقليم كوردستان وتسجيل معلوماتهم في الشهر المقبل لغرض تثبيت معلوماتهم في عملية التعداد في حال المضي في إجراء التعداد".
وتنص الفقرة “أولا” من المادة على أن “تتولى السلطة التنفيذية اتخاذ الخطوات اللازمة لاستكمال تنفيذ متطلبات المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية بكل فقراتها.
وتنص الفقرة “ثانيا” على أن “المسؤولية الملقاة على السلطة التنفيذية في الحكومة الانتقالية والمنصوص عليها في المادة 58 من قانون إدارة الدولة العراقية للمرحلة الانتقالية تمتد وتستمر إلى السلطة التنفيذية المنتخبة بموجب هذا الدستور على أن تنجز كاملة (التطبيع، الإحصاء وتنتهي باستفتاء في كركوك والمناطق الأخرى المتنازع عليها لتحديد إرادة مواطنيها) في مدة أقصاها الحادي والثلاثون من شهر كانون الأول سنة ألفين وسبعة، غير أن المادة لم تطبق في التاريخ الوارد فيها.
وتطبيق المادة يعني إجراء تعداد سكاني في المناطق المتنازع عليها، وأبرزها وأكبرها كركوك، ومن ثم إجراء استفتاء يختار السكان بموجبه ما إذا كانوا يريدون البقاء تحت سلطة الحكومة الاتحادية أو الانضمام إلى الإقليم.
عودة نازحي سنجار
من جانبه أكد عضو مجلس محافظة نينوى محمد اهريس ضرورة عودة نازحي قضاء سنجار قبيل المباشرة بأعمال التعداد السكاني في تشرين الثاني المقبل.
وقال عضو المجلس محمد اهريس، في تصريح: إن "الأوضاع في قضاء سنجار تشهد استقرار أمنيا وتحركا على صعيد الخدمات وتنفيذ المشاريع".
وأضاف: أن "تحسن الأوضاع واستقرارها في قضاء سنجار يدفع نحو ضرورة العودة للنازحين إلى مناطقهم"، مبينا أن "عودة النازحين في هذا التوقيت له أهمية كبيرة لاسيما قبيل البدء بعملية التعداد التي من شأنها تثبيت عدد السكان والمساكن وبالتالي تحديد حاجة المناطق والمدن من المشاريع من قبل الحكومة المركزية".
أهمية التعداد ومخاوفه
وكان العراق قد أجرى آخر تعداد سكاني عام 1987، الذي اشتركت فيه جميع المحافظات، تبعه إحصاء عام 1997 الذي أجري دون مشاركة محافظات إقليم كوردستان.
وظلت البلاد طيلة السنوات الماضية مُعتمدة على الأرقام الإحصائية التقريبية الصادرة عن مؤسسات ومراكز أبحاث غير رسمية تُعنى بهذا الشأن، قبل أن تصدر تقديرات وزارة التخطيط في عام 2022 بأن عدد سكان العراق بلغ أكثر من 42 مليون نسمة.
وفي المقابل، فإن ملف المناطق المتنازع عليها في العراق يعد من أكثر القضايا تعقيداً و حساسية في المشهد السياسي والتي لم ترَ طريق الحل من بعد 2003، وهذه المناطق تشمل أراضي واسعة تمتد بين إقليم كوردستان والحكومة في بغداد، كما تتميز بتنوعها من الناحية القومية والإثنية.
وتأجل التعداد بسبب مخاوف من تسييسه، وعارضته جماعات عرقية في المناطق المتنازع عليها مثل مدينة كركوك التي يسكنها الكورد والعرب والتركمان وتضم حقولا نفطية كبرى، لأنه قد يكشف عن تركيبة سكانية من شأنها أن تقضي على طموحاتها السياسية.
وقد يقدم الإحصاء اجابات او يوجد مزيدا من المشاحنات في بلد متعدد الأعراق عاني من عنف طائفي بعد الغزو الأمريكي عام 2003 ويحاول الآن دعم المكاسب الامنية في وقت يعكف فيه على اتخاذ قرار بشأن كيفية توزيع ثروته النفطية الضخمة. ويملك العراق ثالث اكبر احتياطي نفطي في العالم.
وطالب اقليم كوردستان بعد 2003 بضم كركوك واجراء التعداد السكاني، وسيحدد الاحصاء ان كان الكورد أكبر تكتل عرقي في المدينة وهو ما قد يدعم تلك المطالبة.
كما سيكشف عن عدد السكان الذين يعيشون في إقليم كوردستان الامر الذي سيحدد حصته في إيرادات الحكومة العراقية التي تبلغ حاليا بنحو 12 في المئة.
وكان من المقرر أن يظهر الإحصاء التركيبة الدينية للعراق ذي الاغلبية المسلمة، أو القومية، لكن سيتعمد ألا يسأل السكان عن ذلك، وهو ما ولد رفضاً من سكان مناطق النزاع.